الحقيقة ككل مبادراتنا «المعلقة من عرقوبها»، لم تترك سلوكيات تنفيذ «البطاقة الذكية» فسحة كافية لتبدّل الصورة النمطية عن المشاريع الحكومية في قطاع الرقميات. فبعد سلسلة طويلة من المدّ والجزر اللذين حكما قدرتها على اختراق جدران الصدّ في قطاع المشتقات النفطية، وتغلغل التفاؤل مؤخراً بعدما شهد تطبيقها زخماً لافتاً يتطلع إلى ضبط تدفقات الكتلة الأوزن من
الحقيقة
ككل مبادراتنا «المعلقة من عرقوبها»، لم تترك سلوكيات تنفيذ «البطاقة الذكية» فسحة كافية لتبدّل الصورة النمطية عن المشاريع الحكومية في قطاع الرقميات.
فبعد سلسلة طويلة من المدّ والجزر اللذين حكما قدرتها على اختراق جدران الصدّ في قطاع المشتقات النفطية، وتغلغل التفاؤل مؤخراً بعدما شهد تطبيقها زخماً لافتاً يتطلع إلى ضبط تدفقات الكتلة الأوزن من الدعم، بدأت المعطيات الراجعة -على عادتها- بإعادة حشر الآمال في مخبئها القديم، وخاصة بعد ظهور الصور التلخيصية لفساد المازوت من مرتبة «الصهاريج» التي تلتقطها «الجمارك» على الطرقات، والتلكؤ الذي يسهل تخيله كواجهة لما يكتنف قطاع دعم الغاز المنزلي والصناعي!
مطلع العام الجاري، مع الاندفاعة الكبيرة التي كرسها اتخاذ قرار حازم بحصر توزيع الدعم المُضمّن في أسطوانات الغاز لسكان المدن عبر البطاقة الذكية، بدا أن عصراً من فساد الدعم بات طور الأفول، إلا أن المسوغات الباهتة التي طرحتها «محروقات» مؤخراً تبريراً لاستمرار التوزيع عبر البطاقة العائلية في الأرياف، وإحجامها المبرم عن الالتزام بجداول زمنية محددة لاستكمال نشر بدائلها الذكية، وتحفظها التام على البيانات الضرورية لاستنباط التوقعات حول المدى الزمني المحتمل لذلك، بدأت توحي بأن الفساد لا يزال معشعشاً، وأن «البدائية» الواضحة في تحليل بعض جوانب نظام دعم وتوزيع المشتقات النفطية، لربما تتخذ طابعاً ممنهجاً.
المبررات الأظرف التي ساقتها «محروقات» لاستمرار الحال على ما هو عليه، تلك المتعلقة بأسباب عدم زيادة عدد مراكز إصدار البطاقة الذكية لأنها: «بحاجة إلى تكاليف وتجهيزات».
بغض النظر عن طيب المشاعر التي تراود «محروقات» حيال التكلفة التي قد يدفعها الآخرون، عليها أن تفترض أن أحداً قد لا يصدق مسوغها هذا الذي يعد المسؤول الأول عن ثغرة الاستخدام المزدوج للبطاقتين «الذكية والعائلية» وما تتيحه من سحب «محتمل» لمئات مئات آلاف أسطوانات الغاز مرتين، ذلك أن «حسبة» سريعة للتكلفة التي ستتكبدها محروقات -كل 23 يوماً- للتحقق من عدم حصول الأمر، تزيد بطريقة درامية عن تلك التي تمنعها مشاعرها من تدفيع أولئك الآخرين ما هو أقل منها بما لا يقاس.
لذلك كله، يتوجب ألا تساور الشكوك أياً منّا حيال استمرار الفساد بطريقة أو بأخرى في هذا القطاع الشحيح، فقياساً بتجارب سابقة حققت وفراً قياسياً من وراء «ضبضبة» الاستهلاك الجائر لهذه السلعة الأكثر استهلاكاً للدعم ولموارد القطع الأجنبي في الوقت الراهن، فإن عدم تفاخر الحكومة «المتوقع» بحجم الوفر في الاستهلاك قياساً بما قبل تعميم الإدارة الرقمية لتوزيع المشتقات، يؤكد أن تسرباً ما، خللاً ما، لا يزال يؤدي غرضه في تسهيل استنزاف الدعم المخصص لهذا القطاع الذي يستهلك ما يوازي 35% من «دولار» الاستيراد.
«البطاقة الذكية» اليوم هي إحدى أدوات طوارئ التصدي للحرب، هذه الحقيقة تستدعي غابة من إشارات الاستفهام حول أسباب استمرار هذا المشروع الوطني بالزحف على بطنه حتى الآن، وبطريقة أكثر مباشرة: هل استدعى الدعم «الرفيع» الذي حظيت به هذه المبادرة لتخليص قطاع المشتقات من الفساد عبر إخضاعه لمكننة «لا تمسها الأيدي»، قيام الفاسدين باستلهام منهجية «الإيكيدو» اليابانية الذكية لتعطيله والانتصار عليه، بما أبعد البطاقة الذكية -في المحصلة- عن إدارة شح المشتقات القائم جراء الحرب والحصار والاحتلال، وقرّبها من «منفذ» لتعويض الفاسدين عما قلصه تراجع التوريد من قدرة على نهب المنافع.
علي محمود هاشم- الوطن
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *