الحقيقة يحدث أن يتقدم الكثير من الباحثين الاقتصاديين بحلول أو اقتراحات أو أبحاث للمسائل الاقتصادية أو المعيشية التي تواجه مؤسساتنا، ناهيك بدراسات يتم إنتاجها أو حتى ما تنتجه كلية الاقتصاد من أبحاث بمختلف العناوين، والتي حتماً لها جدوى اقتصادية، في الوقت الذي تطلب فيه الكثير من القطاعات حلولاً أو اقتراحات لمشروع ما أو وضع
الحقيقة
يحدث أن يتقدم الكثير من الباحثين الاقتصاديين بحلول أو اقتراحات أو أبحاث للمسائل الاقتصادية أو المعيشية التي تواجه مؤسساتنا، ناهيك بدراسات يتم إنتاجها أو حتى ما تنتجه كلية الاقتصاد من أبحاث بمختلف العناوين، والتي حتماً لها جدوى اقتصادية، في الوقت الذي تطلب فيه الكثير من القطاعات حلولاً أو اقتراحات لمشروع ما أو وضع خطط، لعلها تسهم بشكل أو بآخر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه, ولاسيما في هذه الظروف، إلّا أنه في حقيقة الأمر، يتم تجاهلها ولا تتم الاستفادة من تلك الأبحاث أو حتى من أفكارها، فلماذا؟ وهل فعلاً تفتقد لأدنى مقومات البحث؟
تفتقد للشفافية
يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا، أنه من الطبيعي أن الحكومة لم تستفد من الدراسات أو الأبحاث التي تنتجها مراكز الأبحاث أو كلية الاقتصاد، لسبب بسيط هو أن معظم الدراسات تنجز في ظل غياب معطيات حقيقية شفافة، ففي الوقت الحاضر لم يعلم أحد كم هو عدد السكان، بل يتم البحث على أساس فرضيات لعدد معين، لذلك عندما تطلع عليها الحكومة تجدها غير متطابقة مع معطياتها، فيتم رفضها!
شهدا: معظم الدراسات تنجز في ظل غياب معطيات حقيقية شفافة
وتساءل: كيف تعتمد بعض الجهات أحياناً دراسات بعيدة كل البعد عن المعطيات الواقعية؟ واستشهد بمثال القمح، إذ عندما يصرّح وزير الزراعة بأن إنتاج سورية ثلاثة ملايين طن من المخطط له، ويتم الاطلاع على الموازنة بأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بدعم خمسين مليار ليرة للإنتاج الزراعي، أي يشمل الشوندر والقمح والقطن والذرة، النتيجة تكون أن الحكومة تدعم كيلو القمح بعشر ليرات، هل يعقل ذلك؟ لذلك فإن أي دراسة حتماً سترفض.
العبرة بالنتائج
وأضاف شهدا: عندما ترغب مراكز الأبحاث بالحصول على معطيات معينة، تلجأ إلى ما ينشره الإعلام، بمعنى “أنا أقرأ خبر أن وزارة الاقتصاد تدعم الفوائد التي أعطتها للقطاعين الصناعي والزراعي بعشرة مليارات”، ماذا يهم المواطن أو غيره إن تم منح قطاع أرقاماً أو دعماً ما؟ ، بينما الأهم من ذلك أين هي النتائج لهذا الدعم بالأرقام، وما تأثيره على النمو وعلى العمالة وعلى القوة الشرائية لليرة السورية؟ وما هو تأثير الإنتاج على التصدير؟ مبيناً أن ما يتم التركيز عليه هو الإعلان عن المصاريف، في الوقت الذي يفترض فيه أن نركز فيه هو الإنتاج فقط بصرف النظر عن منطق الدفع.
ووفق شهدا، أي بحث يعتمد على المعطيات التي يتم الإعلان عنها في هذه الطريقة، يجب أن يركّز على الموارد، وإذا كانت تلك المعطيات غير دقيقة، لا نستغرب فيما إذا كان أي باحث أنجز بحثاً علمياً عن الاقتصاد وقوبل بالرفض، لأنه أحياناً قد لا يخدم مصالح البعض ..! .
أين السيناريوهات؟
يضيف شهدا: عندما نسأل الحكومة لمَ لم يتم تحقيق نمو، تكون الإجابة واضحة بسبب العقوبات و”قيصر”، إلّا أنه في عام 2020 تم تطبيق “قيصر” لكن الإدارة الواعية والتي تعلم مسبقاً أن قانون “قيصر” سيطبق يده على اقتصادها كعقوبات، يفترض أن تكون لديها سيناريوهات وحلول بديلة، واستشهد بموضوع ارتفاع العجز في الموازنة تسعة آلاف مليار ليرة، وكذلك ارتفاع الموازنة ثلاثة آلاف مليار ليرة، يفترض أن يتم البحث في أسباب ارتفاع العجز، ففي كل دول العالم، يتم وضع الموازنة لمشاريع استثمارية إلّا في سورية، ترفع الحكومة العجز لزيادة الإنفاق الجاري وليس الاستثماري، لذلك يتعاظم العجز من دون العمل لوضع حدّ له، والدليل أن العجز في خط الموازنة يبدو تصاعدياً، بدءاً من موازنة 2020 وحتى موازنة 2024.
المشكلة في طريقة التعاطي
المشكلة-حسب شهدا- تكمن في طريقة التعاطي مع نمطية التفكير في بعض الجهات العامة، وعلى سبيل المثال، وضعت الجهات المختصة يدها على مستودعات سكر بآلاف الأطنان والسؤال كيف دخلت تلك الأطنان إلى البلد ؟!
ويضيف شهدا: اقترحنا دراسة بسيطة بمعنى الإشارة إلى وجود تزوير في إجازات الاستيراد، أي هي غير قانونية ويوجد استيراد وهمي في البلد، بدليل تكدّس بضائع في المستودعات، وهذا ما نشره الإعلام المحلي، وتم تحذيرهم مراراً وإخبارهم بوجود تزوير في إجازات الاستيراد، وأن هناك بضائع تدخل إلى البلد بشكل غير قانوني عن طريق إجازات مزورة، والنتيجة تم تحصيل ثلاثين ملياراً من أصل 220 ملياراً، علماً أنه تم تحذيرهم من حدوث كارثة ستقع، والخسارة قد تصل لنحو مئتي مليار ليرة
موضوع الهجرة
خلال العام الماضي 2023، بلغ عدد العمال السوريين في بغداد ومحيطها، وفق تصريح وزير العمل العراقي 300 ألف عامل، وهؤلاء طبعاً فقدتهم السوق السورية.
يشير الباحث الاقتصادي شهدا إلى أن هذه الشريحة من الفاقد، لم تعد تستهلك مواد تموينية مدعومة من رز أو سكر وخبز و مشتقات نفطية، والغريب في الموضوع أن عدد السكان ينخفض، وفي المقابل تزيد قيمة المبالغ التي تنفق على الدعم تحت مبررات التضخّم، وهذا الأمر صحيح، لكن لا يعني التضخم أنه عندما ينخفض عدد السكان فمن طبيعي أن ينخفض الاستهلاك. وبالتالي هبوط الاستهلاك يؤدي لانخفاض في عدد إجازات الاستيراد للمواد الأساسية.
القربي: فجوة ما بين الأبحاث ومراكز الإنتاج وغياب إستراتيجيات تترجم الأبحاث إلى خطط إنتاجية
وطالب شهدا بأنه قبل الطلب من مراكز الأبحاث أو حتى الباحثين اقتراحات أو تقديم دراسات، يجب تقديم معطيات وبيانات صحيحة وشفافة، وهذا من الطبيعي يؤدي إلى نتائج شفافة وصحيحة، وتنعكس إيجاباً على البلد، لكن للأسف جهود كلية الاقتصاد تذهب سدى.
تقديم الحلول
بالتأكيد للبحث العلمي أهميته، لأنه المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، ووفق الباحث الاقتصادي فاخر القربي، يكون ذلك من خلال تقديم الأبحاث العلمية للقطاع الحكومي التي تساعد على إنشاء المشروعات أو وضع الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع، وكذلك تحسين المنتجات القائمة بفضل تطبيق الأبحاث العلمية، بالإضافة لإنتاج السلع والخدمات التي تضمن وتلبي كافة متطلبات الإنسان الحياتية، بموازاة إيجاد قوة وتنمية مجتمعية من خلال نشر المعرفة وإنتاجها، نتيجة الارتباط الوثيق ما بين البحث العلمي و الصناعة والزراعة والخدمات.
أسباب
لكن في واقع الأمر توجد عقبات تعرقل ما يفترض أن تنفذه الأبحاث، في مقدمة هذه العقبات، حسب ما يؤكده القربي، عدم الاستفادة من هذه الأبحاث بسبب الفجوة ما بين مراكز الأبحاث من أي جهة كانت و قطاع الإنتاج، إضافة إلى غياب سياسات أو إستراتيجيات نستطيع من خلالها ترجمة هذه الأبحاث إلى خطط إنتاجية، وهذا يتطلب من القطاع الحكومي إيجاد مناخ ترابطي ما بين البحث العلمي والمشكلات الاقتصادية والاستفادة من الحلول المطروحة في هذه الأبحاث.
تبنّي الأبحاث
ودعا القربي إلى العمل للحفاظ على الكفاءات العلمية والأدمغة والاستفادة منها في التخطيط والتنمية الاقتصادية، وتطبيق النتائج الخلاقة في الميدان الاقتصادي، لكون البحث العلمي لا يقتصر فقط على إيجاد ابتكارات، بل يركز على تطوير العملية الاقتصادية والإنتاجية، وحل كافة المشكلات الاقتصادية، بالإضافة إلى الحاجة الماسّة لتبنّي الأعمال الريادية التي يتم طرحها، لأن البحث العلمي يتمتع بالنضوج ومعالجة القضايا الاقتصادية والمعيشية في ظل هذه الظروف، وانعدام الجدية والالتزام واحتكار الجهات المعنية القرارات تجاه الحالة الاقتصادية للمواطن.
تشرين
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *