زياد غصن على اعتبار أن الحكومة تجاوزت مرحلة “الصدمة” في التعامل مع تداعيات كارثة الزلزال الأخير، وعادت لتناقش ملفات نعلم جديداً، وبحكم التجربة، أنها ستكون مناقشة غير موضوعية، تعتمد في معظمها على التجربة والتجريب بلقمة معيشتنا وبمستقبل مؤسساتنا العامة. فهذا يشجعنا على إعادة فتح ملف رفع الدعم بعد مرور عام كامل على تنفيذه، وهذه المرة
زياد غصن
على اعتبار أن الحكومة تجاوزت مرحلة “الصدمة” في التعامل مع تداعيات كارثة الزلزال الأخير، وعادت لتناقش ملفات نعلم جديداً، وبحكم التجربة، أنها ستكون مناقشة غير موضوعية، تعتمد في معظمها على التجربة والتجريب بلقمة معيشتنا وبمستقبل مؤسساتنا العامة. فهذا يشجعنا على إعادة فتح ملف رفع الدعم بعد مرور عام كامل على تنفيذه، وهذه المرة سيكون النقاش بأرقام رسمية حصل عليها موقع “أثر برس” وتتعلق بالوفر المالي المتحقق، والذي يشكل بنظرنا فضيحة حكومية تستوجب التحقيق والمساءلة، أو على الأقل لتكن هناك محاسبة اقتصادية بين ما حققته الحكومة من وفر مالي جراء رفع الدعم، وبين الآثار الاقتصادية الناجمة عنه من تضخم سعري، زيادة طلب، تغير أولويات الإنفاق، توسيع رقعة السوق السوداء للسلع المدعومة.. وما إلى ذلك، طبعاً هذا إضافة إلى حالة الاحتقان الشديدة التي تسببت بها إجراءات الحكومة ومعاييرها غير العلمية في الاستبعاد، والتي أثرت على علاقة المواطن بالدولة.
إذ بحسب الأرقام التي حصلنا عليها فإن أعلى قيمة للوفر المالي المتحقق جراء عمليات الاستبعاد من الدعم كانت في مادة البنزين، حيث بلغ قيمة ذلك الوفر خلال الفترة الممتدة ما بين الأول من شباط 2022 ونهاية شهر أيلول من العام نفسه حوالي 201 مليار ليرة أي ما معدله شهرياً حوالي 25.167 مليار ليرة.
لكن لنترك أصحاب بطاقات الآليات جانباً، لاسيما وأن هناك وزراء في هذه الحكومة يعتقدون أن السيارة هي رفاهية كما جهاز الموبايل، ولنرى ماذا وفرت الحكومة من بطاقات الدعم الأسري، وهي الأهم لكون آثار عملية الاستبعاد تشمل جميع أفراد الأسرة.
هنا تكمن الفضيحة..
تصوروا أن قيمة الوفر المتحقق من مادة المازوت لم يتجاوز 7.3 مليارات ليرة خلال الفترة المذكورة سابقاً، أي ما معدله شهرياً 913.7 مليون ليرة، وكلنا يعلم أن المادة غير متوفرة أساساً، وما تحصل عليه الأسرة لا يكفيها سوى لمواجهة برد أسبوع واحد.
الأمر نفسه في مادة الغاز المنزلي، التي وصل الوفر فيها جراء عملية “الاستبعاد” حوالي 19.4 مليار ليرة، أي ما معدله شهرياً 2.4 مليار ليرة، مع الإشارة هنا أيضاً أن المادة غير متوفرة لتحرم بعض الأسر من الحصول عليها بالسعر المدعوم، لكن للأمانة والموضوعية هي متوفرة في السوق السوداء وبالكميات المرادة.
أما في ملف دعم السلع التموينية الغذائية، فإن تداعيات الفضيحة تتشعب أكثر، لاسيما وأن مجمل الوفر المتحقق لدى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا يشكل سوى 27% من قيمة المبلغ المختلس في قضية مطاحن حلب التي أثارها تقرير للجهاز المركزي للرقابة المالية…
ووفقاً للأرقام الرسمية فإن مجمل الوفر المتحقق جراء استبعاد آلاف الأسر من دعم مادتي السكر والرز والخبز بلغ خلال الفترة الممتدة بين الأول من شهر شباط وبداية شهر تشرين الثاني الماضي حوالي 10 مليارات ليرة، أي ما معدله شهرياً 1.120 مليار ليرة.
في تفاصيل ذلك الرقم المثير للسخرية الممزوجة بالحزن على ما آلت إليه البلاد مع هذه الحكومة، نجد أن عملية “الاستبعاد” من منظومة الدعم وفر 2.9 مليار ليرة في مادة السكر، و 3.8 مليارات في مادة الرز، وذلك خلال الأشهر التسع المشار إليها أعلاه، ووفقاً للكميات التي جرى توزيعها، إذ إن الوزارة لم تلتزم بتوزيع المخصصات الشهرية كاملة خلال العام الماضي.
أما في الخبز، فإن الوفر المتحقق خلال الفترة نفسها المذكورة سابقاً لم يتجاوز 3.3 مليارات ليرة، أي وسطياً ما معدله يومياً حوالي 12.4 مليون ليرة فقط!
لنقرأ الأرقام من نافذة أخرى..
على اعتبار أن المواطن في بلدنا لا يستحق، بنظر أصحاب القرار، أن يركب سيارة خاصة، وإنما عليه أن ينتظر لساعات وساعات على قارعة الشوارع ليجد باص أو سرفيس يتعلق على بابه، فإننا سوف نستبعد الوفر المتحقق من مادة البنزين، ونركز على مناقشة ما تحقق من وفر بموجب البطاقة الأسرية، والتي تتيح لكل أسرة الحصول على مخصصاتها من مازوت التدفئة، أسطوانة الغاز، السكر والرز الموزع عبر السورية للتجارة، والخبز.
بحساب بسيط سوف نجد أن وسطي الوفر اليومي المتحقق جراء مشروع استبعاد آلاف الأسر من الاستفادة من دعم المواد السابق ذكرها (مع استبعاد وفر دعم البنزين) لم يتجاوز 148.6 مليون ليرة فقط لا غير…!
بالله عليكم… هل تستحق هذه الأرقام ما تسببت به الحكومة من غلاء وتضخم وغضب شعبي جراء إصرارها على تنفيذ مشروع لم تحضر له بشكل جيد، ولم تستشر به أحداً، ولم تفكر بخلفياته السياسية والاجتماعية في هذه المرحلة؟ لا بل هل تستحق كل هذه الاجتماعات والمنصات الالكترونية والورق الذي صرف عليها؟ أليس ما يسرق وينهب من مؤسسات الدولة وثرواتها ومواردها يتجاوز يومياً هذا الرقم بكثير؟
مثال أخير..
إن وسطي الوفر اليومي المتحقق (من دون وفر البنزين)، والذي يمكن تقديره سنوياً بحوالي 54 مليار ليرة، لا يشكل سوى 73% من إجمالي المبالغ المكتشفة في العام الماضي جراء تحقيقات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية والبالغة حوالي 73 مليار ليرة؟
بعد كل هذا.. هل ستتم محاسبة أبطال هذا المشروع وما تسببوا به من خسائر على المستوى الشعبي والاجتماعي والاقتصادي؟ أم كما هي العادة.. “جربنا وما زبطت النتائج متل ما بدنا”؟
المصدر – أثر برس
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *