كتب الزميل صدام حسين الصحفي في جريدة الأخبار اللبنانية من يشاهد وزير الإعلام السوري عماد سارة، على شاشة التلفزيون يوم أول أمس، يظن بأن الرجل يتلو «البيان رقم واحد»، لإحداث «انقلاب» في منظومة الإعلام الرسمي في سوريا. هكذا خرج سارة على المشاهدين في ثوب «الإصلاح والتغيير»، وبعد استعراض سيرته الذاتية على الشاشة، اعترف بوجود «أزمة
كتب الزميل صدام حسين الصحفي في جريدة الأخبار اللبنانية
من يشاهد وزير الإعلام السوري عماد سارة، على شاشة التلفزيون يوم أول أمس، يظن بأن الرجل يتلو «البيان رقم واحد»، لإحداث «انقلاب» في منظومة الإعلام الرسمي في سوريا.
هكذا خرج سارة على المشاهدين في ثوب «الإصلاح والتغيير»، وبعد استعراض سيرته الذاتية على الشاشة، اعترف بوجود «أزمة ثقة» بين المواطن السوري وإعلامه، في أوّل لقاء تلفزيوني له منذ تسلّمه الحقيبة الوزارية.
وحسب مصادر «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون»، استغرق تسجيل المقابلة نحو 10 ساعات، اختصرت بالمونتاج إلى 49 دقيقة، قدم وزير الإعلام خلالها «سلة» من الوعود الإصلاحية لاستعادة «هيبة» الإعلام الرسمي، وأدار الحوار المذيع الشاب كنان محمد بكامل المهنية والموضوعية، في سابقة لم يشهدها التلفزيون السوري بمواجهة مسؤول سوري أو وزير للإعلام.
تحدث وزير الإعلام عن التلفزيون فقط، متجاهلاً مسؤوليته عن الصحف السورية والإذاعات التي تعيش أوضاعاً مزرية، وغاب الإعلام الخاص والالكتروني في سوريا عن المقابلة.
كرر سارة كلاماً كان يُقال يومياً في «كواليس» المؤسسات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحدث بـ «شفافية» عن الواسطة والمحسوبيات والفساد، وانتقد تعامل الدولة مع الإعلام كما تتعامل مع مؤسسة «الكونسروة»، وتحدث بطلاقة «غير معتادة» عن أخطاء وسلبيات التلفزيون السوري.
ولكن الوزير لم يذكر خلال المقابلة الخطوات «الملموسة» التي ستقوم بها الوزارة لتنفيذ الوعود «المعسولة» التي أطلقها، في بلد يشهد أسوأ وضع في مجال الحريات الصحافية منذ عقود، حيث وضعت منظمة «مراسلون بلا حدود» سوريا في ذيل القائمة على مؤشر حرية الصحافة للعام 2019.
كما غابت عن الحوار مع وزير الإعلام التهديدات الجدية التي تلاحق الصحافيين في سوريا، في ظل تزايد مخاطر ممارسة المهنة بشكل غير مسبوق، حيث تحولت «الكراهية» للصحافيين إلى أعمال عنف واعتقال في كثير من الأحيان، ودفع تردي الأوضاع المهنية بعض الإعلاميين إلى الاعتزال.
وتجاهل الوزير الحديث عن توقف منح الرخص لوسائل الإعلام الخاصة والضغط الممارس من قبل الحكومة على هذه الوسائل والذي أدى إلى إغلاق بعضها، وانسحاب البعض الآخر إلى مجالات أخرى لا تتعلق بالسياسة وهموم الناس.
وفور بث المقابلة، جندت «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لبثها واقتطاع أجزاء منها، وقام عشرات العاملين بمشاركتها على حساباتهم الشخصية، على اعتبار أن وزيرهم أعلن التحدي وبدأ بنفسه ورفع «الحصانة»، وأنه لن يكون هناك «خطوط حمراء» في الاعلام السوري بعد الآن، ووجد آخرون أنها «فرصة ذهبية» لرفع سقف الحريات الإعلامية وتطوير الإعلام بشقيه العام والخاص.
على المقلب الآخر، وجد البعض أن مقابلة وزير الإعلام لا تعدو عن كونها «حرباً كلامية» دون جدوى، وأن وعوده لن تجد سبيلاً إلى التطبيق على أرض الواقع، خاصة أنه لم يقدم خطة عمل واضحة، ولأن المنظومة الإعلامية الحالية غير قادرة على إنجاز أي خطة لتطوير الإعلام في حال كانت موجودة أساساً.
ورأى البعض أن الوزير يركز على تحسين دقة الصورة في التلفزيون، ويتجاهل المضمون وهو الحامل الأساسي للرسالة الإعلامية، ويتجاهل وسائل الإعلام الأخرى وكأنه «وزير للتلفزيون» وليس وزيراً للإعلام!.
وقال آخرون إن وزير الإعلام لا يستطيع الحديث عن «وزارة وطن»، وهو يتجاهل توجيه خطاب مقبول إلى نصف السوريين المتوزعين خارج حدود الوطن، وفي مناطق خارج سيطرة الدولة السورية، أو على الأقل الذين يعارضون الحكومة، حتى أنه فشل في تقديم خطاب يحترم القدرات العقلية لمؤيدي الدولة، عدا عن الكفاءات التي تم تطفيشها من منظومة الإعلام الرسمي بسبب الفساد.
ووجد البعض أن الحراك الذي تشهده وزارة الإعلام حالياً مجرد «ردة فعل» على توجيهات القيادة على أبواب التغيير الحكومي، وسوف تنتهي «فورة» النقد الذاتي بعدها في أدراج الإهمال والنسيان، خصوصاً وأن الإعلام السوري بحاجة إلى نفضة وثورة حقيقية وفكر مؤسساتي وجهود عفوية صادقة، ولا يمكن تطويره بمجرد توجيهات عليا ينتهي مفعولها مع مغادرة «وزير ما» لمنصبه.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *