الحقيقة- متابعة طرح الباحث في مركز دمشق للدراسات والأبحاث «مداد» الدكتور رسلان خضور سؤالين وصفهما بالجوهريين ومن المفيد جداً محاولة الإجابة عنهما في بداية العام التاسع للحرب التي بدأت تدخل طوراً جديداً باتجاه النهاية. السؤال الأول حسب خضور: كيف استطاع أعداء سورية بكل أجهزة استخباراتهم وشيوخ فتنتهم ووسائل إعلامهم أن يقوموا بغزونا من الداخل، بتجنيدِ مئات
الحقيقة- متابعة
طرح الباحث في مركز دمشق للدراسات والأبحاث «مداد» الدكتور رسلان خضور سؤالين وصفهما بالجوهريين ومن المفيد جداً محاولة الإجابة عنهما في بداية العام التاسع للحرب التي بدأت تدخل طوراً جديداً باتجاه النهاية.
السؤال الأول حسب خضور: كيف استطاع أعداء سورية بكل أجهزة استخباراتهم وشيوخ فتنتهم ووسائل إعلامهم أن يقوموا بغزونا من الداخل، بتجنيدِ مئات الآلاف من السوريين لتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم ضد الدولة السورية، وأن يقنعوهم بأن تدمير بلدهم هو الطريق إلى الحرية والديمقراطية أو إلى الجنة والسبعين حورية؟ ورغم أن الحرب بدأت تقترب من نهايتها، إلا أن عملية الغزو من الداخل، ومن الخارج لا تزال مستمرة، ولعلَّ البعدَ الاقتصادي واحدٌ من أهم أبعادها.
وتساءل خضور كيف يمكننا أن نعيد بناء الدولة السورية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ كيف يمكن إعادة بناء اقتصادنا ومؤسساتنا ورأس مالنا الاجتماعي وتكريس مفهوم المواطنة ببعدها الاقتصادي، بشكل يوفّر الأمن والسلام المجتمعي المستدام، كبعد من أبعاد إعادة بناء وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة بعد الحرب؟
وأكد خضور أن هذه الدراسة تتناول واحداً من أهم الجوانب الاقتصادية في إطار المسألة الثانية، والمتمثل بمشكلة التوزيع للثروات والدخول والفرص، كمسألة اقتصادية اجتماعية، وكركن من أركان عملية إعادة بناء الدولة السورية.
وانطلقت الدراسة من فرضيّةٍ تقول: إنَّ “مشكلتنا في الاقتصاد هي ليست مشكلة تراجع الإنتاج والدخول بسبب الحرب، وهي ليست مشكلة ندرة في الموارد فقط، بل هي مشكلة في التوزيع، ومشكلة في كيفية استخدام ما هو متاح من موارد”.
وقالت الدراسة: إنَّ “التفاوت الكبير في التوزيع وعدم الإنصاف، يعدُّ واحداً من أهم الأسباب التي تجعل المواطنين أقل ثقة ببعضهم بعضاً، وأقل ثقة بالحكومة، وبالنظام السياسي والاقتصادي القائم، وواحداً من معيقات النمو الاقتصادي”.
وأوضحت الدراسة أن “الحرب وتداعياتها والسياسات الاقتصادية في مرحلة ما قبل الحرب، أدت إلى زيادة حدة التفاوت، وتراجع العبء الضريبي إلى مستويات قياسية، بفعل التهرب الضريبي وانتشار اقتصاد الظلّ”.
وتابعت “يتحمل بذلك أصحاب الرواتب والأجور عبئاً ضريبياً أعلى، مقارنة بأشكال الدخول الأخرى، وتراجعت حصة الرواتب والأجور من الدخل القومي، لتصل إلى حدود 20%، وهذه نسبة متدنية جداً”.
ولخصت الدراسة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المترتبة على زيادة حدّة التفاوت في التوزيع لما يشكله من خطر على النمو الاقتصادي، والذي لو تحسن وارتفع لا يؤدي بالضرورة أو بشكل تلقائي إلى نتائج أفضل بالتوزيع”.
وأضافت الدراسة “أدت حدة الاستقطاب في التوزيع إلى تراجع حجم ودور الطبقة الوسطى، تحديداً في سنوات الحرب، علماً أن للتفاوت الكبير في توزيع الثروات والدخول، دوراً مهماً في عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي”.
وأفادت الدراسة أنه “وبما أن اللامساواة الاقتصادية في توزيع الثروات والدخول تُترجم عادة على شكل لا مساواة سياسية، سيكون هناك انقسامات سياسية عميقة في المجتمع السوري مستقبلاً، الأمر الذي يفضي بدوره لتراجع الاستثمار، وبالتالي تراجع النمو”.
وذكرت الدراسة أن “هناك مجموعة من الإجراءات والسياسات على المستوى القصير، وعلى المستويين المتوسط والطويل، يمكن أن تسهم في تخفيف حدة التفاوت في التوزيع، منها الإنصاف في إتاحة الفرص، والتركيز على الطلب المحلي”.
وبيّنت الدراسة أن “الإنصاف في إتاحة الفرص هو مجموعة إجراءات تتعلق بتحسين سبل العيش للشرائح الهشة والضعيفة اقتصادياً في المجتمع، وذلك بتعزيز الفرص الاقتصادية، والمساعدة على خلق فرص العمل المباشرة، والمزيد من الإنصاف والمساواة في الحصول على الخدمات العامة”.
وأشارت إلى أنه “يصعب أن يحافظ الاقتصاد السوريّ على توازنه، إلا إذا كان هناك طلب قادر على استيعاب السلع والخدمات المُنتَجة، وهذا يتطلب، بالدرجة الأولى، نمو الطلب المحلي، ونمو الطلب المحلي مرهون بالإنصاف في توزيع الثروات والدخول”.
وأفادت الدراسة أنه “في الأمد القصير، يمكن اعتماد قنوات التوزيع الأوليّ، من خلال رفع الرواتب والأجور والحدود الدنيا للأجور والتعويضات”.
وأكملت “أما في الأمدين المتوسط والطويل يمكن اعتماد قنوات إعادة التوزيع، استناداً إلى سياسات وأدوات المالية العامة المتمثلة بالضرائب والإنفاق العام”.
واعتبرت الدراسة أن “اهتمام الدولة والمجتمع بمسألة التفاوت في التوزيع، يُفترض ألا يكون لأسباب أخلاقية فقط، بل لأسباب اقتصادية وسياسية”.
وأردفت “نحن بحاجة إلى الإنصاف والعدالة في توزيع الثروات والدخول، ليس لأن ذلك هو الصواب من الناحية الأخلاقية، بل لأننا بحاجة لنموٍّ قابل للاستمرار”.
وتابعت “ولأن تطورنا واستقرارنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يتوقفان على الإنصاف، وإلا فليستعد الجميع لحرب قادمة ولكارثة قادمة بعد سنوات ليست ببعيدة”.
وأوضحت الدراسة أنه “نسبة العاملين بأجر من إجمالي عدد المشتغلين تبلغ 66.5%، ونسبة أصحاب الأعمال 3.7% ونسبة العاملين لحسابهم الخاص 29.8 % ، أي أنَّ العاملين بأجر يشكلون الغالبية العظمى ممن يُعوّل عليهم شراء السلع والخدمات المُنتجة”.
ونوّهت الدراسة إلى أن “نمو دخول العاملين بأجر لا يساير نمو الناتج والدخل القومي، إذ إنَّ إنتاج السلع والخدمات ينمو بمعدلات أعلى بكثير من نمو رواتب وأجور العاملين بأجر، وهذا اتجاه عام منذ عقود، وأصبح الفرق أكثر حدة بعد عام 2011، أي مع سنوات الحرب”.
وبحسب الدراسة فإن “انخفاض الأجور إلى مستويات متدنية، يعني كفاءة أقل ومهارات أقل وإنتاجية أقل، وبالتالي يعني أرباحاً أقل في الأمدين المتوسط والطويل على المستوى الجزئي، ومعدلات نمو أقل على مستوى الاقتصاد الكلي”.
و لم تُغفل الدراسة دور الفساد فاعتبرت أنَّه “من العوامل المؤديّة إلى زيادة حدَّة التفاوت في التوزيع: عدم السيطرة على الفسَّاد، وانخفاض مستوى الجودة التنظيمية للمؤسسات ومعاملتها التمييزية، وانخفاض مستوى فعالية الحكومة، وتراجع سيادة القانون وضعف المساءلة والشفافية”.
يذكر أنه كلما ارتفع منسوب الإنصاف والعدالة في توزيع الدخول والثروات، والإنصاف في الوصول إلى الفرص، كلما تعززت الثقة وتعززت الروابط الاجتماعية، وترسخت قيم المواطنة، بحسب الدراسة.
المصدر- موقع مداد
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *