خاص- الحقيقة- مادلين جليس تصدرت وعود زيادة رواتب وأجور موظفي القطاع العام الأخبار منذ عدة أشهر، وذلك بعد التصريحات الحكومية التي ضجت بها الصحف الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ولم يبق موظف إلا وأمل في تلك الزيادة وارتاب منها في الوقت ذاته، ذلك لأن كل زيادة للرواتب لابد سيعقبها زيادة في أسعار المواد والسلع، ولكن لم
خاص- الحقيقة- مادلين جليس
تصدرت وعود زيادة رواتب وأجور موظفي القطاع العام الأخبار منذ عدة أشهر، وذلك بعد التصريحات الحكومية التي ضجت بها الصحف الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يبق موظف إلا وأمل في تلك الزيادة وارتاب منها في الوقت ذاته، ذلك لأن كل زيادة للرواتب لابد سيعقبها زيادة في أسعار المواد والسلع، ولكن لم تلبث تلك الغمامات الحكومية بالزوال، بعد أن أكل عليها الزمن وشرب، وبعد أن انقضى ما يزيد على الستة أشهر، دون أن تزيد هذه الرواتب ولا ليرة واحدة، بل على العكس، فالذي ازداد هو أسعار السلع في الأسواق وتآكل الدخل أكثر.
وقد صنفت سورية بدءاً من العام 2017 ضمن اقتصادات الدول ذات الدخل المنخفض (وهي أدنى شريحة وفقاً لتصنيف البنك الدولي، ويعني ذلك أن وسطي دخل الفرد يساوي أو أقل من 995$ سنوياً أي لا يتجاوز 36000 ل. س شهرياً، اذا اعتبرنا أن سعر الصرف الرسمي هو 434 ل. س / $، وهي بذلك تنحدر لأول مرة في تاريخها من مجموعة الدول ذات الدخول المتوسطة والمنخفضة (وسطي الدخل الفرد يتراوح بين 996$- 3895$ سنوياً)، وهذا مؤشر على حجم الضرر التي أصاب الاقتصاد السوري ومدى تردي المستوى المعاشي إلى مستويات متدنية جداً.
سياسات تقشفية
الباحثة والخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب في حديث خاص مع «الحقيقة» ترى أن الحكومة تنظر إلى الأجور على أنها مرتفعة وأنها عبء على الموازنة العامة للدولة، والأخطر من ذلك تجاهل الحكومة بأن هذه الرواتب غير عادلة وهي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي يجب أن يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُّرها (وفقاً لما نص عليه الدستور) من أجل ضمان مستوى معيشة يحفظ الكرامة الإنسانية.
وتضيف سيروب: ما يجب التنويه له، هو أن الرواتب ليست مجرد نفقة وعبء مالي، بل الأمور أكثر تعقيداً، فالرواتب والأجور هي مؤشر على الإنتاجية وبذات الوقت حافز لزيادة الإنتاجية، وهي أهم مكونات الطلب الفعال، إضافة إلى كونها عاملاً جوهرياً لتحسين جودة الخدمات العامة.
وتؤكد سيروب أن السياسات التقشفية المتبعة قد تنجح في تحقيق بعض الوفورات المالية في الأجل القصير، إلا أن استمرار انخفاض الأجور سيزيد من مقاومة الإصلاحات مما يؤدي على المدى المتوسط والطويل إلى القضاء على الوفورات المادية ويحمل الخزينة العامة أعباء مضاعفة، إذ ستؤدي إلى نتائج عكسية ناجمة عن تراجع إنتاجية العامل ومغادرة الموظفين أصحاب الكفاءات والخبرة للقطاع العام وما ينجم عنها من تدني في جودة الخدمة العامة، ويرافقها ظهور الممارسات السلبية المتمثلة في الفساد، والأهم من ذلك عدم تطبيق القرارات، فالأجور المتدنية تضعف الاقتصاد مما يكرس ظاهرة “الفشل الاقتصادي والإداري” التي يعاني منها الاقتصاد السوري.
رواتب القطاع العام هي الحل!!
تقول سيروب: الغريب أن السياسات الاقتصادية اتبعت نهجاً واحداً وهو تخفيض الضرائب لتشجيع الاستثمار، مقابل تخفيض الإنفاق الحكومي بالضغط على الرواتب والأجور للتعويض عن التراجع في الإيرادات العامة، لذا يتعين على الحكومة إيجاد صيغة جديدة تسمح للأجور بأن تتكيف مع الأسعار الحالية والمستقبلية من خلال معالجة مسببات التراجع، لذا فإن سورية بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بالأولويات الاقتصادية والنظر إلى قضية الرواتب والأجور أولى الأولويات.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *