الهروب إلى “المؤامرة”.. حتى يفنى الوطن

الهروب إلى “المؤامرة”.. حتى يفنى الوطن

لجين سليمان على صوت منخفض؛ كان اثنان من أصدقائي الصينيين يناقشان أمرا ما، ولفضول مني تظاهرت بمعرفة ما يقولانه، فتعمّدت اصطناع نظرة ذكاء مركّزة نظري عليهما مع هزة في الرأس توحي أنني فهمت ما يدور من حديث، وذلك على الرغم من أني لم أكن أسمع أكثر من تمتمات، إلا أنها طريقة مخابراتية يُمكن تسميتها بـ

لجين سليمان

على صوت منخفض؛ كان اثنان من أصدقائي الصينيين يناقشان أمرا ما، ولفضول مني تظاهرت بمعرفة ما يقولانه، فتعمّدت اصطناع نظرة ذكاء مركّزة نظري عليهما مع هزة في الرأس توحي أنني فهمت ما يدور من حديث، وذلك على الرغم من أني لم أكن أسمع أكثر من تمتمات، إلا أنها طريقة مخابراتية يُمكن تسميتها بـ “صُنع في سوريا” وعلى ما يبدو فإنّ لها نتائجها الإيجابية، فما هي إلا لحظات حتى جاءا يسألاني فيما إذا كنت قد فهمت حديثهما.

هنا جاء دور تقنية الذكاء التالية والتي تتلخص “بالتظاهر بالفهم مع قليل من زهو الانتصار” وبالفعل أقنعتهم بأني سمعت ما يدور من حديث، مما دفعهما إلى إكمال النقاش أمامي بشكل طبيعي، وكانت القصة كما يلي:

“أحدهما سيتخرّج بمرتبة دكتور باحث هذا العام، وقد جاءه عرضي عمل؛ أولهما في مركز أبحاث، والثاني في منصب مسؤولية “كبير”، هنا سقطت عن وجهي كل أقنعة التقنيات السابقة وأصابني ذهول المواطن المسكين، فهل فعلا يستحقّ الأمر فعلا الكثير من التفكير؟! بالطبع عليك أن تختار منصب المسؤول..فلماذا درست كل هذه السنوات سوى لتصل كرسيا رفيعاً..

ولأنه لم يفهم بالضبط، قلت شارحة: “عندما تصبح مسؤولا ستعطي الأوامر للآخرين، ولن تضطرّ لإنجاز الأمور بنفسك، وبهذا لن تكلّف نفسك سوى عبء الكلام”.

لم يقتنع، فسأل “وماذا عن الأفكار، يجب عليّ تقديم أفكار جديدة وقيّمة، فالقيادة تحتاج إلى الإبداع”. فأجبته ضاحكة : “هل تخشى فعلا من نقص الأفكار؟ هل تدرك كم فكرة أستطيع تقديمها لك الآن؟ إذا فرضنا مثلا أننا نريد أن ننهض بالبنى التحتية في هذه المدينة، فما علينا سوى التالي: “سنقول للمختصين، علينا أن نعيد التمديدات الصحية بحيث نفصل ما بين شبكتي الصرف الصحي المعاشيّة والمطريّة، ونرصف الطرقات من جديد بما يزيد من ديمومتها ويمنع إزالة الإسفلت بشكل مبكر، كما يجب تدعيم أساسات الأبنية بما يؤدي إلى زيادة طوابق إضافية بحيث نتوسع شاقوليا ونمنع التوسع الأفقي، كما يجب أن نزيد نسبة الغطاء الأخضر من أجل البيئة..كم فكرة أعطيتك حتى الآن..الكثير الكثير”.

وكأنّ ذهولي انتقل إليه: “ماذا عن إمكانية التنفيذ؟”..فأجبت “إنها مشكلتهم. كيف تحفّز شعبا على الإبداع إذا أعطيتهم كل الأدوات دون أن تتيح لهم فرصة للتفكير.. أعطهم رأس الخيط واترك الباقي لهم”.

أعجبته الفكرة لكنه عاد ليستفسر بطريقة أحرجتني: “أهكذا يحرّض مسؤولو بلادكم التفكير لديكم؟” …لم أعرف ماذا اقول له فإذا قلت نعم فلربما أشوّه صورة سوريا التي طالما جمّلتها في نظرهم، لا سيما وأن المسؤولين لديهم يعملون ليل نهار دون كلل أو ملل.. وإن قلت لا أكون قد أعطيته فكرة غير قابلة للتنفيذ وكأني كنت أنظّر، فاستعنت بالتقنية السورية التالية ألا وهي الأسلوب الخطابي وقلت “في بلدنا المؤامرة كبيرة والقوى المعادية متربصة، وعلينا أن نُسارع بالإنجاز، مما يحتّم علينا تقديم الكثير من الأفكار ريثما يحين وقت التنفيذ”.

لم ينته خطابي هنا إنما توسعت قائلة: “أمر..يكا الإمبر..يالية شر مطلق وعلينا أن نتحرر جميعا لمواجهتها”..وعلى الرغم من أنني لم أعرف قراره النهائي فيما يخصّ الخيار المهني، لكني لفت نظره إلى نظرية جديدة في القيادة لم يكن يأخذها بعين الاعتبار.

نعم إنه تكتيك الهر..وب إلى المؤامرة عند كل إحراج أو مشكلة، جعلنا نستمر ّ ونتحمّل واقعا مأساوياً لم ينته حتى يومنا هذا، لا بل في كثير من الأحيان نشعر أننا حققنا انتصارات جعلتنا موضع حسد دائم من القوى المعادية “الصهيو أمر..يكية التوسعية الاستيطا..نية”.

المصدر- هاشتاك

Posts Carousel

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

Latest Posts

Top Authors

Most Commented

Featured Videos