كيف تكفيهم رواتبهم؟

كيف تكفيهم رواتبهم؟

زياد غصن عندما قلت، أنا وغيري، إن الحكومة تعاملت مع ملف استبعاد آلاف الأسر من خانة الدعم بارتجالية شديدة، فإنني لم أكن أظلم الحكومة أو أقلل من قدرها، إذ إن ما صدر لاحقاً من قرارات خاصة بهذا الملف، ليس له من تفسير سوى أن هذه الحكومة لم تكن على قدر المسؤولية في مقاربة هذا المشروع

زياد غصن

عندما قلت، أنا وغيري، إن الحكومة تعاملت مع ملف استبعاد آلاف الأسر من خانة الدعم بارتجالية شديدة، فإنني لم أكن أظلم الحكومة أو أقلل من قدرها، إذ إن ما صدر لاحقاً من قرارات خاصة بهذا الملف، ليس له من تفسير سوى أن هذه الحكومة لم تكن على قدر المسؤولية في مقاربة هذا المشروع قبل اعتماده.

وما جعلني مطمئناً إلى أن تقييمي كان صحيحاً، هو ما يجري تسريبه حالياً عن أجواء الاجتماعات التي عقدتها –وتعقدها- اللجنة المشكلة بمتابعة ملف الدعم، حيث الاجتهادات والآراء الشخصية بدلاً من البيانات والمؤشرات الإحصائية، المنتجة بحيادية وموضوعية شديدتين، وكأن الموضوع لا يتعلق بمعيشة آلاف الأسر، الأمن الاقتصادي للبلاد، وصورة الدولة في عيون مواطنيها.

فمثلاً، هناك من اقترح أثناء مناقشة ملف موظفي الدولة ممن يمتلكون سيارة سياحية، حرمان كل موظف تملك سيارة بعد العام 2012 من الدعم الحكومي، وهناك أيضاً من طالب بضرورة معرفة مصدر المال الذي اشترى به الموظف سيارته؟

صحيح أن المقترح لم يجد طريقه إلى الاعتماد، لكنه يؤشر إلى طبيعة الصورة الذهنية المتشكلة في مجتمعنا عن الموظف الحكومي لدينا، فهو إما فقير ومعدم مادياً، أو أنه فاسد ومرتشٍ!

والمؤسف في الأمر، أن هناك من هم في مواقع المسؤولية الإدارية بمختلف مستوياتها لديهم مثل هذا الفهم الخاطئ. وإلا لما وجد المقترح السابق طريقه للطرح والنقاش، أو على الأقل لما خطر ببال أحدهم.

أنا هنا لا أنفي وجود موظفين باتوا بسبب الفساد من أصحاب الأملاك والأطيان، إنما في المقابل ليس كل موظف حكومي ميسور مادياً هو شخص فاسد!

ولا أنفي أيضاً أن هناك نسبة كبيرة من موظفي الدولة يعانون الأمرين لتأمين الحد الأدنى من احتياجات البقاء، إنما هذا لا يعني أنه عليهم أن يبقوا كذلك كي لا يتهموا بالفساد!

تعالوا لنناقش ما سبق من ناحيتين…

الناحية الأولى تتعلق بالتنوع الطبقي. فربما لا يعي البعض أن العمل في مؤسسات الدولة، وإن استقطب غالباً أبناء الطبقات الفقيرة، إلا أنه كان أيضاً هدفاً للكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى، إما بسبب إلزامية التعيين لبعض الاختصاصات العلمية في فترة من الفترات الزمنية، أو رغبة من أبناء هذه الطبقة باكتساب الخبرة، وبناء شبكة علاقات مهنية واجتماعية.

ويذكر الكثيرون أن الوظيفة العامة، وقبل دخولها في “دوامة” الأجور المنخفضة قبل عدة عقود، كانت تحظى بمكانة اجتماعية رفيعة. لا بل إنها شكلت لسنوات أحد الحوامل الرئيسية للطبقة الوسطى في البلاد.

أما الناحية الثانية، وتتمثل في تعددية مصادر الدخل للموظف الحكومي كما هو حال جميع المواطنين في هذا البلد. فالشريحة الأوسع من المشتغلين لدى الحكومة، وإن كان الأجر الشهري يشكل بالنسبة إليها مصدر الدخل الأساسي، إلا أنها تعتمد في توفير مستلزمات معيشتها على دعم مصادر أخرى، تختلف باختلاف الوضع الاجتماعي، الاقتصادي، والمهني للفرد والأسرة. لذلك لا يمكن النظر أو التعامل مع جميع الموظفين الحكوميين من منظور واحد، فوجود أكثر من مليون ونصف المليون موظف في مؤسسات الدولة، هو بحد ذاته عبارة عن مجتمع متنوع سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً. وعليه فإنه يجب التعامل معه على هذا الأساس…وغير ذلك، فإنه يجب سؤال جميع المسؤولين قبل الموظفين… كيف تكفيهم رواتبهم؟ وعلى ماذا يعتمدون؟

المصدر – المشهد

Posts Carousel

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

Latest Posts

Top Authors

Most Commented

Featured Videos